الشارقة تحتفي برفد نهر المعرفة للمرة الثالثة والأربعين

بروحٍ تجسد الإرث العربي الثقافي وترفعه إلى سطح الذاكرة المنتعشة، تحتفي الكتب والكلمات بمن كرّس جهده وموارده ليكرّمها، وتتناثر في زوايا المكان فتوّلد بعضها البعض، وتزدحم في عربات التسوق، وتفيض بها طاولات العرض.

في مدينة الشارقة التي اعتادت على أن تكون حاضنة للثقافة، فأصبحت عاصمتها الكونية، انطلقت فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والأربعين، في السادس من الشهر الجاري، حيث تهافت إليه الآلاف من عشّاق الأدب والثقافة، يجمعهم سحر الكتاب ونهم المعرفة.

انطلق هذا الحدث السنوي برعاية كريمة من سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، تحت شعار “هكذا نبدأ”، فجمع في نسخته الحالية ما يزيد عن 2500 دار نشر، و1300 فعالية ثقافية، واحتضن بين أروقته تاريخاً يَتكدس في ثنايا الكتب. كما تضمن المعرض منصات خاصة تابعة لشركات إعلامية ومؤسسات عامة، وركناً للطهي، وآخر للقصص المصورة، ومحطة للتواصل الاجتماعي، وسواها من أطايب المعرفة.

“الشارقة صنعت من الكتاب قضية، وتفوقت في ذلك على كبرى المعارض الدولية“. هذا ما قالته الروائية أحلام مستغانمي في كلمتها التي ألقتها عقب تكريمها ومنحها لقب شخصية العام الثقافية. وأثنت على الشارقة لكونها حولت من الكتاب قضية تُترجم مدى اعتزازها بالثقافة. وأشادت بمشروع المعجم التاريخي للغة العربية، الذي ضمّ 127 مجلداً، وشارك في إعداده ما يزيد عن 500 باحث ومدقق، ما يُعتبر إنجازاً لغوياً وثقافياً غير مسبوق.

يضم المعرض العديد من الفعاليات الثقافية والندوات التي أقيمت بحضور أسماء بارزة من الأدباء والشعراء والكتاب والمؤثرين من مختلف الدول العربية والأجنبية، كهشام الجخ، وإستر فارغاس كاستيلو، والدكتور مبروك زيد الخير، والممثلة والكاتبة أسواثي سريكانث، وغيرهم الكثير.

وتوالت الندوات وورش العمل، وسط ابتسامات وتوقيعات. إحدى هذه الندوات كانت عن علم النفس الإعلامي وتكوين القيم والاتجاهات لدى الشباب. حيث تحدثت الدكتورة أمل عبد العظيم، أستاذة علم النفس الإعلامي بجامعة عجمان، عن كيفية تأثير الإعلام في تشكيل المواقف والقيم لدى الشباب. وأوضحت عبد العظيم كيف يتجه الشباب نحو هذه المجتمعات بحثاً عما يتوافق مع اهتماماتهم، وكيف تتشكل لديهم هوية جديدة، مما يجعلهم يسعون للاندماج فيها بدرجة أعمق. كما أكدت الدكتورة على ضرورة تطوير خطط تربوية تعمل على تنمية القيم الإيجابية لدى الشباب، وتشجيعهم على الانخراط في العمل التطوعي، وذكرت أهمية وضع استراتيجية إعلامية بناءة تسهم في تشكيل قيم راسخة وقوية لدى هذا الجيل.

كما عزمت الشارقة على أن تمزج الحضارة العربية بالثقافة المغربية، وعلى أن تحيي ذاكرة تراث ووجدان شعبي من خلال ارتكاز الكثير من الفعاليات على تقديم المملكة المغربية كثيمة أساسية وضيفة شرف في المعرض. فتضمن المعرض ندوة استعرضت المدرسة الفلسفية المغربية والفكر العربي المعاصر، بحضور الدكتور عبد السلام بنعبد العالي، والدكتور محمد نور الدين أفاية، والدكتور عبدالصمد الكباص. وغطت الندوة ركائز ما يميّز المدرسة الفلسفية المغربية عن باقي المدارس الفلسفية الأخرى، والتحديات التي واجهتها المدرسة الفلسفية المغربية في ظل الأزمات التي واجهت المغرب عبر السنين، والفرق ما بين الفلسفة والأيديولوجيا.

ولم تكن هذه الفعاليات الأدبية هي الوحيدة التي أثرت على روح المكان، فقد توافدت حشود كبيرة لحضور أمسية الموسيقار المصري عمر خيرت في التاسع من الشهر الجاري، لتكون الموسيقى لساناً آخر يتحدث نيابة عن الكلمات. كما تزيّن المعرض بوجوه من نجوم الفن، كأحمد عز وأحمد مراد، وسواهما فكان المعرض لوحة ضخمة تتخللها ألوان الأدب والفكر والفن، لتبقى أركانه شاهدة على لقاء عظيم بين الكلمة والعقل.

معرض الشارقة، الذي شهد انطلاقته الأولى عام 1982، أصبح عاماً بعد عام منارة للمعرفة المتجددة، وأضحت الشارقة بفضله مكتبة كبرى ومنبعاً يروى العقول والأفئدة.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM