السرطان .. أمر جيد!

“أقول إنه سرطان، وأقول أيضاً إنه أمر جيّد ..” هكذا يبدأ الدكتور أحمد خيري العمري كتابه “الفردوس المستعار والفردوس المستعاد”، قائلاً بأن النتيجة المختبرية قد أظهرت إصابة الأمة بالسرطان، ولكنه يدعو للتفاؤل لأن النتيجة لم تكشف إلا عن سبب الأعراض التي سبقت الفحوصات. سقوط بغداد في 2003 بعد الغزو الأمريكي كان النتيجة التي قطعت الشك باليقين، وكشفت الإصابة بالسرطان.

السرطان الأمريكي –بحسب العمري– سيجبر الأمة على القتال لإستئصال المرض، السرطان الذي تفشى في الثقافة الركيكة أصلاً.

الكتاب يبدأ بالمحور الأول “وجه آخر للمواجهة”، والذي يقول فيه الكاتب بأن الثقافة الأمريكية أصبحت كالدين الجديد الذي إعتنقه الكثيرون من مختلف الأديان والثقافات، إعتنقوه دون أن يدركوا ودون أن يستغنوا عن دينهم الأصلي لأن الدين الأمريكي يغرس قيمه في الأفراد والمجتمعات ويفرغ القيم والمبادىء التي كانوا يتمتعون به قبل “إعتناق” الدين الأمريكي الجديد. وفي رحلة البحث عن مجتمع أفضل يطرح الكاتب سيناريو “الفقدان وخطة الإستعادة” مستعرضاً قصص الأنبياء آدم (عليه السلام)، وإبراهيم (عليه السلام)، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) كبدائل وأمثلة تواجدت في الماضي. العمري يشبه الشجرة في قصة آدم عليه السلام) بالضوابط في المجتمعات، ويبين المساواة في قصة إبراهيم (عليه السلام) عندما أخذ زوجته هاجر الجارية ولم يأخذ سارة التي كانت تنحدر من عائلة معروفة، لأن الأهمية لم تكن للحسب والنسب، فالإنسان هو الأهم. وأما محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد جمع بين كل الرسل، ربما لأنه كان آخرهم، ولكن التشابه الأكبر كان مع إبراهيم (عليه السلام)، ووجه التشابه الأكبر كان في البحث عن القبلة.

بعدها ينقلنا الكاتب للمحور الثاني “ثوابت وأركان” والذي يطرح في ثوابت الدين الأمريكي الجديد “الفردوس المستعار”، ويقابلها بثوابت الأمة الإسلامية “الفردوس المستعاد”، مستعيناً بالأركان الخمسة للإسلام. فأما الركن الأول للفردوس المستعار فهو “المادية”، والذي رغم أن أمريكا لم تخترعه إلا أنها تبنته، ليقابلها بـ”الشهادة” كثابت للفردوس المستعاد. الثابت الثاني للفردوس المستعار “الفردية”، والذي يكرس أهمية الفرد على حساب الجماعة، ويحل محله ثابت “الصلاة” في الفردوس المستعاد. فيما يأتي “الإقتصاد الحر” كثالث ثوابت الفردوس المستعار من خلال الرأسمالية، ليتحدث عن نسبة 1% الغنية من الشعب الأمريكي، لذلك يطرح العمري “الزكاة” كثابت للفردوس المستعاد.

“الإستهلاك بلا حدود” هو رابع ثوابت الفردوس المستعار، ومن خلاله يبين العمري إنتشار نزعة الشراء المبالغ فيها والأسباب التي تقف خلفها، و”الصيام” هو الثابت الذي لابد أن يكبح جماح هذا الإستهلاك كثابت رابع للفردوس المستعاد. آخر ثوابت الفردوس المستعار هو “الآن وهنا”، ثابت من خلاله تهمش أمريكا التاريخ ولا تمنحه أي أهمية، ولا تمنح أي قيمة للآخرة، ليقابله العمري بآخر أركان الفردوس المستعاد كذلك وهو “الحج”، حيث يصور الحج بأنه كيوم القيامة حيث سيجتمع الناس سواسية ليقابلوا الله سبحانه وتعالى.

يختتم العمري كتابه بالمحور الثالث “خاتمة وبعدها البداية” ليقول بأن حلبة الصراع والمواجهة تكمن في الرؤوس، لا ساحات المعارك، وأن الوجود العسكري الأمريكي ليس ذا قيمة كبيرة مقارنة بوجوده في العقول. الفردوس المستعار منح فرصة لفهم أركان الفردوس المستعاد أكثر. وعلى الرغم من إقرار العمري لصعوبة المهمة وقربه للخيال من الواقع، إلا أنه يرى بأن كل بناء شامخ يبدأ بتصميم من الخيال، وأن الدرب سيكون صعباً وخطراً، ومليئاً بالعوائق، مشبهاً ذلك برحلة إبراهيم (عليه السلام) مع هاجر وإسماعيل في قلب الصحراء، فالأمة إما ستقاتل السرطان لئلا تموت، وإما ستستسلم وتموت.

التقييم: 9/10

من النادر جداً أن يندمج القارىء مع كتاب فكري، ويشعر كما لو أنه كان يقرأ رواية أدبية، ولعل أسلوب العمري السلس في إيصال الفكرة ساهم إلى حد كبير في ذلك. العمري انفرد كذلك بنظرة جديدة طرحها عن أركان الإسلام الخمسة ومقارنتها بثوابت الحضارة الأمريكية، ولم يكتف بالتحليل بل امتد لطرح الحلول. ومن الإيجابيات التي تُحسب للعمري تدعيم ما يراه من ثوابت للحضارة الأمريكية بأدلة غالباً ما أتت من هناك، ما أضاف له المزيد من المصداقية.”

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM