الخلوة بالنفس: طريقة لاكتشاف عقد الإنسان والتخلص منها

مع الضغوطات اليومية التي يتعرض لها الإنسان، قد تتكون في نفسه عقد تتراكم فوق بعضها بسبب انشغالات الحياة، التي تمنع الإنسان من التفكير بالصراعات النفسية التي تدور في داخله. لذلك، من حق الإنسان على نفسه أن يمنحها “خلوة” تستطيع من خلالها الوصول إلى السلام الداخلي، الذي لن يتحقق ما دام الإنسان يتناسى عقده الداخلية على حساب انشغالات الحياة.
وجاء الحديث عن مصطلح “الخلوة” في ندوة أجراها الإعلامي السعودي أحمد الشقيري، وذلك خلال فعاليات مهرجان طيران الإمارات للآداب تحت عنوان “أربعون”. وفي شرحه لمصطلح الخلوة، عرفها الشقيري بأنها فترة انعزال تامة عن الناس وعن التكنولوجيا، بهدف التفكر في العقد الداخلية العميقة. وشدد الشقيري على أهمية الخلوة، إذ أن الناس عبارة عن “عقد تمشي على الأرض” بسبب عدم إعطاء النفس المجال الكافي لفهم مشاكلها. لذلك، يرى الشقيري أن الفراغ الذي نستشعره بفترة العزلة هو الذي “يضطر الإنسان لمواجهة العقدة”، وبالتالي يبدأ بتحليلها، ومحاولة إلغائها.
وعن المشكلة الأساسية التي تؤدي إلى تراكم العقد في الإنسان، قال الشقيري “كلنا عندنا عيوب، ونعرف هذه العيوب، ولكن لا نعرف التخلص منها”. وأبدى الشقيري أسفه حيال عدم استغلال فترة الفراغ التي تمر الإنسان بهدف التأمل بالعقد، أو “الكلاكيع” كما وصفها، بل يحاول الناس في الكثير من الأحيان “كبت العقد” والعواطف، من خلال اللجوء إلى التلفاز أو الهاتف في أوقات الفراغ.
وعن خلاصة هذه الصراعات والعقد النفسية التي يعاني منها الإنسان، شرح الشقيري التقسيمات الثلاثة للدماغ، وأولها قسم الزواحف، والذي يركز على احتياجات الجسد الأساسية كالشرب والأكل. أما القسم الثاني فهو قسم الثديات، وهو مسؤول عن العواطف من حب وحزن وغضب. والقسم الأخير هو الفص الأمامي، ومهمته التمييز بين الصواب والخطأ، أي التحليل عن طريق المنطق. ويرى الشقيري بأن النجاح الحقيقي هو قدرة الإنسان على حل الصراع بين هذه الأقسام الثلاثة، من أجل أن يصل إلى “السلام الداخلي”.
وشرح الشقيري أن فترة الخلوة ليس لها مدة معينة، إذ قد تمتد من يوم إلى أربعين يوم، على حسب حجم العقدة التي يعاني منها الإنسان، ولكنه نصح بفترة الأربعين يوم لأولئك الذين يطمحون “بتغيير جذري لمشاكلهم”. ومن تجربته الخاصة، ركز الشقيري على أهمية الخلوة ليوم واحد على الأقل كل فترة، ولا يتوجب على الخلوة أن تكون في الطبيعة، بل من الممكن ممارستها في غرفة مغلقة، بشرط عدم الاحتكاك بالناس أو أي مصدر إزعاج.
وفي مقابلة أجرتها كلية محمد بن راشد للإعلام في الجامعة الأمريكية في دبي مع الحاضرين في الندوة، قالت الحاضرة الشابة نادين أحمد: “أحمد الشقيري أثر فيني منذ الصغر، إذ أن أسلوبه في طرح القضايا التي نعاني منها سلس، ويجعلنا نلامس دواخلنا بطريقة سلمية”. وأضافت أحمد: “لم أدرك أهمية الخلوة بالنفس حتى هذه اليوم. ضغوطات الحياة تلهيني عن استشعار المشاكل الداخلية التي أعاني منها”.
يذكر أن أحمد الشقيري هو شخصية سعودية مؤثرة في العالم العربي. ومن أبرز أعماله برنامج “خواطر”، الذي كان له يحظى بجماهيرية عالية، إلى جانب تأليفه كتب “خواطر شاب”، و”لو كان بيننا”، و”رحلتي مع غاندي”، وآخر إصداراته كتاب “أربعون”.