الحرائق في سوريا: هل مرّ يومُ القيامة من هنا؟

Aleppo, Aerial View. Aladdin Hammami via Unsplash.com

“ذكريات الطفولة وذكريات الأهل وتعب العمر تنسرق بلحظة، كروحٍ يقبضها ملك الموت، والإنسان عاجز عن فعل أي شيء” هذا ما كان يشعر به خالد محمد (وهو اسم مستعار لدواعي أمنية)، وهو يشاهد النيران تلتهم بساتين عائلته وأشجارها التي تجاوز عمرها الـ100 عام لتحوّلها رماداً “بسرعة خيالية” في الساعة العاشرة والنصف في مدينة الحفة في محافظة اللاذقية وهم عاجزون عن مقاومتها.

فما كان من محمد وشباب المدينة الآخرين إلّا أن هرعوا لمحاولة إخماد النيران، التي اشتعل فتيلها بدايةً قبل حوالي ساعتين في قرية رسيون (تبعد 8 كم عن الحفة)، من مكان هجومها الأساسي، في الوقت الذي كانت فيه الرياح الشرقية تغذّي شدة وسرعة النيران من جهة، والكهرباء مقطوعة وفرق الإطفاء غائبة من جهة أخرى.

لم يكن محمد خائفاً على أراضي عائلتهم فقط لتنوّع رزقهم وخسارتهم “حوالي 150 شجرة حمضيات فقط”، فالـكارثة الحقيقية له هو من كان لديه “أرضٌ ببعض الدونمات يعيل عائلته منها، وذهب مصدر رزقه بذهابها” ليس فقط في ريف اللاذقية، بل في طرطوس وريف حمص التي كانت تندلع فيها النيران أيضاً.

جهودٌ لإخماد الحرائق

بدأ محمد وباقي السكّان بإخماد الحريق بالماء بتركيب مضخّة ماء على جرّار من نهرٍ قريب، ولكن عندما حاصرتهم النيران من جهة النهر، فقدوا ضخّ الماء، فأسرعوا بقطع الشجر لخلق فاصلٍ بين البساتين. وبمجارفهم، وما أتيح لهم، هرعوا في ردّ التراب على أماكن الاشتعال.

وفي الوقت الذي شاركت فيه فرق الإطفاء ومروحيات للجيش السوري “في عمليات إخماد الحرائق القائمة في ريف القرداحة، لمنع اتساع رقعة انتشارها” بحسب موقع “سي إن إن” الأخباري، تسائل مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في مقابلة لقناة “الحدث” عن مشاركة طيارات الإطفاء في إخماد حرائق القرداحة فقط (مسقط رأس الرئيس السوري بشار الأسد)، بينما لم تشارك في إخماد حرائق الحفة والبسيط.

هذا الأمر يطرحه  أيضاً شاهداً عليه، حيث يذكر أنّه لم يكن هناك وجود لا لطيران ولا لإطفاء و”حتى من لهم توجيه الأمر اللإداري لتوجيه فرق الإطفاء، منهم من لم يجب على هواتفهم المحمولة ومنهم من أغلقها”. وبحسب محمد فإنّ الحرائق في الحفّة خمدت بنفسها بطريقة “الإخماد السلبي” لعدم بقاء أي شيء قابل للاشتعال، وبسبب مبادرات أهلها في محاولات الإخماد.

ويرى محمد أنّه كان هناك تقصير كبير من قبل الجهات المسؤولة، حيث إنّه كان من الممكن السيطرة على الحرائق في الحفة من خلال مقاطع ضيقة عبرت النيران منها وتجاوزت الطرق العامة، حيث كان من الممكن أن “تُمنع النار من أن تنتقل وتتجاوز الطريق العام”.

“يوم القيامة مرّ من هنا”

وكانت الحفّة أمام “كارثة حقيقية” لولا نجاح أهاليها في منع وصول النار إليها، حسب تعبير محمد، حيث هددت النيران مستودعات المصرف الزراعي المليئة بالأسمدة، ونترات الأمونيوم والآزوت القابل للاشتعال، فكانت على بعد 50 متراً منه، إلّا أنّ أهالي المدينة بادروا بحفر خنادق حوله، ممّا منع وصول النيران إليه، حيث يصف محمد هذا المشهد كأنّ “يوم القيامة مرّ من هنا”.

من المسؤول؟

وأثار سبب اندلاع هذه الحرائق جدلاً واسعاُ على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي حين رجّح البعض العوامل المناخية والطبيعية سبباً لها، أشار آخرون بأصابع الاتّهام إمّا إلى “جهات خارجية معادية” بالنسبة لمؤيدي الحكومة السورية، أو إلى “عقابٍ إلهي” للمناطق المؤيّدة للحكومة بالنسبة لمعارضيها.

وألقت الشرطة القبض على 14 مشتبه بهم في التسبب في الحرائق في محافظة طرطوس، نقلاً عن وكالة “سانا” الإخبارية الرسمية، منهم من تسبب بالحريق “عن غير قصد” أثناء حرق الأعشاب في أراضيهم، ومنهم من هم من خارج المحافظة وصادف وجودهم في أماكن الحرائق.

في رماد ما بعد الحريق

وبحسب ما نشرته “سانا” الأخبارية عن مديرة مكتب الإغاثة في محافظة اللاذقية، هالة أحمد، فإنّ الأضرار الناجمة عن الحرائق شملت 200 منزل سكني منها 3 منازل احترقت بالكامل.

وبحسب “سانا“، فإنّ ورشات الاتصالات والكهرباء تعمل على إصلاح التغذية الكهربائية في بعض القرى في ريف اللاذقية وطرطوسالتي سببت الحرائق فيها بانقطاع أسلاك الكهرباء والاتصالات، حيث مايقرب الـ 6000 متر كابلات احترقت في طرطوس.

وأكّد وزير الزراعة، حسّان قطنا، وفق “سانا“، أنّ الوزارة تعمل على توفير قروض زراعية ميسرة للمتضررين من الحرائق خالية من الفوائد، وعلى توزيع غرس مثمرة مجاناً على الفلاحين، إلّا أنّه أوضح ضرورة الزراعات البديلة كالنباتات الطبية، والعطرية، والتبغ، لمساعدة الفلاحين على الإنتاج ريثما تدخل الأشجار المثمرة مرحلة الإثمار.

وفي السياق ذاته، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لقناة “الحدث“، إنّ “الحرائق في جبال اللاذقية تسببت بكارثة إنسانية جديدة للأهالي تضاف إلى الكوارث الاقتصادية الأخرى”.

اقتصادياً، أعرب ابراهيم عن خشيته من ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بشكل كبير في جميع المناطق، فيذكر أنّ “سعر غالون الزيت ارتفع من 70 ليرة سورية (0.11 د.إ.) إلى 100 ليرة سورية (0.158 د.إ.) مباشرة بعد الحريق”.

واجتاحت هذه الحرائق الضخمة في 8 تشرين الأوّل (أكتوبر) الجاري مناطق واسعة من غربي سوريا، وغطت مساحات كبيرة من المنطقة الساحلية الممتدة من الشمال على الحدود التركية، وصولاً إلى الأراضي اللبنانية ملتهمة مئات الهكتارات من غابات المناطق الساحلية وعدة مناطق جبلية في أرياف المحافظات. ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان احتراق أكثر من 200 موقع في اللاذقية وطرطوس وريف حمص، وتضرر عشرات القرى واحتراق بعضها بالكامل، بالإضافة إلى أكثر من 100 إصابة، و4 حالات وفاة، و27 ألف أُسرة متضررة، خلال الأيام الخمس الأولى من الحريق. وعلى الرغم من نشوب مثل هذه الحرائق في سوريا كلّ عام بسبب موجات الحر، إلّا أنّ نشوبها كان محدوداً برقعات صغيرة.

وتصدّر وسم #سوريا_تحترق مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر بعض الفنّانين السوريين أمثال قصي خولي، سلافة معمار، وجورج وسّوف عن حزنهم وتضامنهم مع المتضررين.

Please follow and like us:

3 thoughts on “الحرائق في سوريا: هل مرّ يومُ القيامة من هنا؟

  1. مقال جميل و قام بتلخيص جميع التساؤلات و الجواب عليها بوضوح و ايضاً قامت بالاشارة الى الذكريات الجميلة في مكان الحريق و هذا كان شيءً لامس قلوب القارئين

  2. لقد كان مقال في غاية الروعة لانه قام بتلخيص جميع التساؤلات و النقاط المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي و ايضاً قام بتذكيرنا بأيام الطفولة البريئة التي لامست قلوب القارئين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM