الحجر المنزلي: فرصة لتنمية المواهب

جنا، بنت الجيران أثناء جلستها التصويرية في المنزل. غنا الساطي. 7 نيسان (أبريل) 2020.

بابتسامةٍ عريضة تستقبل غنى بنات الجيران، أثناء الحجر المنزلي. تنتقي لهن الملابس المناسبة وتضع لهن بعض المكياج، لإخفاء العيوب التي قد تظهر على الكاميرا. ومن ثم تعلّق غطاء النوم على الحائط للحصول على الخلفية المناسبة. تجلس إحدى بنات الجيران تحت الطاولة لكي لا تظهر بالصورة وهي تشغّل مجفف الشعر. فيطير شعر جنا، التي تخضع لجلسة التصوير، وهي واقفة بجانب النافذة للحصول على أفضل إضاءة. تبدأ جنا يتحريك رأسيها يميناً يساراً، كما طلبت منها غنى، فيتمايل شعرها المجعد بكل حرية. وهنا تسرع غنى بالضغط على زر التصوير في كاميرة الكانون لتلتقط صورأً عديدةً لجنا، وهي تتخذ الوضعيات المختلفة. وبذلك تتمكن غنى من التقاط صور محترفة مثل صور المشاهير. فهكذا تقضي غنى الساطي معظم وقتها خلال هذه الفترة، بجلسات التصوير.

ورغم الحيرة التي وُضع فيها البعض في كيفية قضاء الوقت خلال الحجر المنزلي، إلا أن البعض الآخر استخدم هذا الوقت بطريقة “مثمرة”. ولعل الحجر المنزلي فرصة لاكتشاف الذات والبحث عن هوايات جديدة أو مواهب لم يتوفر لها الوقت من قبل. فكانت الساطي واحدة من العديد الذين استخدموا وقتهم ومكوثهم في المنزل للجوء لتجربة أمور جديدة قد تتحول لهوايات تستمر على المدى الطويل.

من منزلها بدأت الساطي تقدم جلسات تصوير مجانية لبنات الجيران وعائلتها، مستخدمةً الورق والجريدة والأريكة وقطع القماش كنوع من خلفيات الصور. ولم يكن الناس فقط محور الصور، وإنما أغراض المنزل ومنتجات المكياج والجسم والورد قد نالوا نصيبهم من صور الساطي. وأما عن الإضاءة والمكان، فقد اعتمدت الساطي زاوية المنزل التي توفر أفضل إضاءة شمسية. وفي بعض الأحيان تلجأ الساطي إلى المصابيح والنباتات للتلاعب بظلال الصورة وخلق نوع من أنواع التأثيرات الفوتوغرافية. وتشرح الساطي قائلةً إنني “أستخدم أشياءً متوفرة لدى الجميع…فأنا أتخيل الصورة قبل أن أقوم بإلتقاطها، وأبدأ بتغيير وتعديل المحيط مرة ومرتين، حتى أحصل على أفضل وضعية تلائم الصورة التي بمخيلتي”.

وتشرح هنا الساطي في مقاطع صوتية عن كيفية إعدادها لجلساتها التصويرية حتى انتهت بكل من الصور الآتية:

إحدى الصور التي التقطتها الساطي لساعة المنزل، مستوحيةً فكرتها من مقولة. 1 نيسان (أبريل) 2020.
إحدى الصور التي التقطتها الساطي لساعة المنزل، مستوحيةً فكرتها من مقولة. 1 نيسان (أبريل) 2020.
صور بأضواء النيون في المنزل. غنا الساطي. 7 نيسان (أبريل) 2020.
صور بأضواء النيون في المنزل. غنا الساطي. 7 نيسان (أبريل) 2020.
صور لوالد الساطي في المنزل. غنا الساطي. 15 نيسان (أبريل) 2020.
صور لوالد الساطي في المنزل. غنا الساطي. 15 نيسان (أبريل) 2020.

تجربة التصوير المنزلية للساطي، نمت مهاراتها التصويرية بدرجة كبيرة، حتى أن رغبتها في اعتمادها التصوير هواية تقوم بها خارج المنزل بعد انتهاء فترة الحجر قد زادت. وتعبر الساطي عن هذه التجربة:”إبداعي زاد كثيراً.. فقد تعلمتُ كيف أفكر خارج الصندوق”.

شعار شركة لوليا من تصميم داليا.

لم تكن غنى الساطي الوحيدة التي استفادت من مكوثها في المنزل كي تنمي مهاراتها الداخلية. فداليا الأشرفي، طالبة تصميم جرافيكي، أيضاً استثمرت مكوثها في المنزل كي تكمل عملها التدريبي مع إحدى الشركات،. خلال عملها من المنزل، تعلمت الأشرفي كيفية تصوير المجوهرات، وطبقت مهاراتها الفنية في تصميم شعار الشركة المرفق في الأعلى. وتقول الأشرفي “لقد أتتني فرصة العمل في الوقت الصحيح تماماً، وأنا أوفر الكثير من الوقت الذي كان سيضيع بين ذهابي إلى الجامعة والعمل في المكتب”.

إحدى اكسسوارات شركة لوليا، من تصوير داليا في المنزل. 16 نيسان (أبريل) 2020.

وقد تعلمت الأشرفي الكثير من هذه المهنة، ونالت خبرة واسعة بهذا المجال. ففي الصورة المرفقة في الاعلى، كان على الأشرفي أن ترتدي القفازات قبل لمس المجوهرات، وأن تحرص على عرض كل تفصيلة صغيرة في العقد لتبرز جماليته وتألقه. وتقول الأشرفي “أنا أحاول أن أعكس حسي الفني من خلال عملي في تصوير المجوهرات، فأجمع بين مهارتي بالتصميم والرسم مع مهارة التصوير الجديدة التي كسبتها”.

وإلى جانب العمل بمجال المجوهرات، تلجأ الأشرفي إلى الفن في أوقات فراغها، أثناء قضائها فترة الحجر الصحي. وتعبر الأشرفي عن حيها للفن قائلة إنني “أعشق الفن، الفن بالنسبة لي وقت للمرح وللاسترخاء، الفن علاج تأملي بالنسبة لي. فأنا منذ صغري ألجأ لأي شيء متعلق بالفن”.

إحدى رسمات داليا خلال الحجر الصحي. 11 نيسان (أبريل) 2020.

الصورة المرفقة في الأعلى هي إحدى تصاميم الأشرفي الأخيرة التي رسمتها، والتي مازالت قيد التنفيذ. وتقول الأشرفي “رسم هذا التصميم كان منفس لطاقتي الإيجابية”، حيث جمعت بين الفن الإسلامي وفن الماندالا، إحدى الفنون الهندوسية. وتقرر الأشرفي بطباعتها وحفرها لاحقاً. كما أنها من الممكن أن تستخدمها بمشروعٍ مهم في المستقبل.

وقد لا يكون الوقت الذي يقضيه البعض في المنزل أثناء الحجر “مملاً” أو “ضائعاً”، فقد وصفت داليا وقتها الذي تقضيه بالرسم والتصميم، قائلةً “ولايوم في عمري سوف أشعر أنني ضيعت وقتي وأنا أرسم هذه اللوحات وأصمم عليها . ولن أندم على أي ثانية استهلكتها في الرسم، حتى لو انتهى بي الأمر بلوحة غير مرضية نوعاً ما، أو غير جميلة”، مضيفةً: “أنا يمكنني أن أفضّل الرسم والتصميم حتى على الخروج من المنزل”.

وقد تكون فترة الحجر المنزلي هدية للبعض من أجل العودة للأمور التي لم يجدوا لها الوقت من قبل أو من أجل تعلّم أمور جديدة قد تتطور إلى هوايات أو مواهب.

فبالنسبة لطالبة الصحافة، نايا سليمان، المحبة لصناعة المحتوى، سنحت لها فترة الحجر الصحي فرصة العودة إلى فيديوهاتها، التي قامت بتصورها قديماً، وتعديلها فنياً. وتقول سليمان إنها “منذ أن بدأت دوامي الجامعي وأنا أشعر بأنني لم أضف أي من مهاراتي في المونتاج إلى عملي. أشعر أن ذهابي إلى الجامعة لم يزد من مهاراتي بالتصوير والمونتاج، وهذه هي الأمور التي أريد أن أتعلمها”. وأضافت “بالنسبة لي أصبح لدي الوقت الكافي لأتصفح فيديوهات اليوتيوب وأشاهد الصفحات المركونة على جنب”. فترة الحجر علمتني الكثير من الأمور التقنية في المونتاج مثل تقنيات الحركة والجرافيك وتقنيات متعلقة بدرجات اللون.

إحدى كتابات نايا الشعرية. 20 نيسان (أبريل) 2020.

وقد تمكنت سليمان من إنعاش موهبتها في الكتابة، فالكتابة الشعرية المرفقة في الأعلى، نموذج من كتاباتها خلال فترة الحجر.

الفترة الحالية فترة مناسبة ل”اكتشاف العالم”، بل هي”وقت مناسب للإنسان كي يفجر مواهبه ويكتشف الأمور التي يستطيع القيام بها، أو التي هو جيد فيها”. فقد عبّرت سليمان: “أشعر حقاً بأنني لا أريد فترة الحجر المنزلي أن تنتهي. فالأمور التي أردت أن أتعلمها منذ فترة طويلة، بدأت بتعلمها تدريجياً في هذه الفترة”.

تحرير: ليندا أبو بكر

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM