الجرافيتي في الوطن العربي: بين التعبير والتغيير
جرافيتي، أو “الخربشات”، هي الرسوم على الجدران والمسطحات المدنية الأخرى في الحيز العام دون تصريح أو إذن. يتم ذلك باستخدام علب الرشّ الملونة وأنواع أخرى من الدهانات لكتابة نصّ أو رسم لوحة أو المزج فيما بينهما.
لم يكن الجرافيتي غائباً عن الشوارع العربية طوال العقود السابقة، إلا أن وجود أنظمة الاستبداد في غالبية الدول العربية جعلت من الرسم على الجدران مهمة شاقة، مثل كل وسائل التعبير عن الرأي الحر، المعارض أو الناقد للنظام، فكان غالبية الفنانين في تلك الفترة يتخذون المجهولية وسيلة حماية لأنفسهم.
ومع بداية ثورات الربيع العربي عام 2011 وتهاوي الأنظمة السابقة خاصة في تونس ومصر، اتّسعت مساحة الحرية التي تتيح لفناني الجرافيتي العمل بحريّة، وقام الإعلام بدوره بالتركيز على هذا الفن في البلدان العربية كجزء من الحالة الثورية، ومن وسائل التعبير عن مطالب الشباب وتطلعاتهم.
لكن دور الجرافيتي لم يقتصر في التعبير عن المواقف السياسية فقط، إلا إنه يلعب أيضاً دوراً في الحيز الثقافي والفني البعيد إلى حد ما عن السياسة. يحاول الجرافيتي إعادة تشكيل صورة الحيز العام برسم رموز تعبر عن ثقافة البلد بشخصياتها الفنية الراحلة من مطربين وشعراء وكتّاب. سواء برسم صورهم أو بكتابة أشعارهم، ليكون بذلك هذا الجدار الملون جسراً واصلاً بين الجيل الجديد والجيل السابق.
بالنظر إلى الحراك الفني بالرسم على الجدران في المدن العربية، نجد الكثير من الأعمال التي يجدر الحديث عنها وعن هوية صانعيها. ولكون الرسم تحت أسماء مجهولة أو مستعارة، هو أمر دارج في هذا المجال، من الصعب للمارة تتبع ومعرفة هوية الفنان إلا بعد عملية بحث متشابكة. لكن عدداً من الأسماء برزت في السنوات السابقة لا بد من الإشارة إلى أعمالها.
في تونس، كانت المئذنة الاسمنتية لمسجد في مدينة قابس هي الجدار الذي سيحوّله “السيد” إلى تحفة فنية. فعندما توجّه لإمام المسجد، وافق الأخير بلا تردد على أن يقوم رسام الجرافيتي ومصمم الجرافيك المعروف بلقب السيد بزخرفة المئذنة. ولم يسأله عمّا سيكتب أو ما سيرسم، لكن السيد ارتأى أن يختار آية قرآنية مليئة بمعاني الود ورسائل السلام: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”.
ومن ثم شق طريقه باحثاً عن المزيد من الجدران الصمّاء يبث فيها حياة وأملاً بالألوان والأحرف العربية، فملأت أعماله عدة مدن في العالم العربي. فتجده قد لوّن جدراناً متناثرة في حي المقطّم في القاهرة لتبدو من أعلى الجبل لوحة متكاملة غاية في الدقة والإبداع.
وفي لبنان برزت أعمال الشاب يزن حلواني الذي اختار حائط مبنى مركزي في شارع الحمرا في العاصمة بيروت ليخلد ذكرى الفنانة اللبنانية الراحلة صباح، في منطقة عرفت بأنها كانت ملتقى ثقافي للفنانين والشعراء والملحنين قبل الحرب الأهلية اللبنانية.
كذلك تحاول فنانة الغرافيتي الأردنية الشابة ليلى عجاوي أن تغير الصورة النمطية للمرأة العربية من خلال فن الشارع الخاص بها، إذ تشارك من خلال رسم الغرافيتي في حملات لتمكين المرأة مع منظمات محلية أردنية غير حكومية، أو منظمات عالمية. تركز في رسوماتها في شوارع عمان على شخصية المرأة، وتبرزها جميلة وقوية في الوقت نفسه. يستمد العمل الذي تقوم به ليلى أهميته من كونها المرأة الوحيدة من مدينة إربد الأردنية، التي تقدم هذا النوع من فنون الشوارع، على الرغم من أن فن الغرافيتي بات منتشراً كثيراً في عمان.
وأخيراً الفنانة المصرية هبة أمين تعمل محاضرة في الجامعة الأميركية في القاهرة، عن موضوع التقاء السياسة والتكنولوجيا والتنمية والإعلام. وتشكل مع فناني شارع آخرين، مجموعة تدعى “فنانو الشوارع العرب” The Arabian street artists. في صيف 2015 طلب منتجو مسلسل Homeland الشهير، الذي كان يتم تصويره في برلين، من المجموعة رسم غرافيتي على الجدران في موقع التصوير، على أنه مخيم للاجئين السوريين، فما كان منها إلا أن اخترقت ورفاقها المسلسل من خلال الغرافيتي، واصفين المسلسل بالعنصري، وبالـ”بطيخ”.
وانتقالاً إلى فن الجرافيتي في دبي، انتشر هذا النوع من الفنون في الآونة الأخيرة وذلك بسبب الرغبة في تحقيق رؤية حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد والتي تنص على جعل دبي منصة مهمة لفن الجرافيتي. تشجع حكومة دبي الفنانين على ممارسة الجرافيتي وذلك من خلال إنشاء معارض مثل معرض دبي كانفس وآرت دبي. اضغطوا على الصورة أدناه لمشاهدة فيديو عن الغرافيتي في دبي.
الصور من موقعي: Arabian Street style and Raseef 22
