الجرائد الورقية على هاوية السقوط

تخيل معي نفسك عام 1970، يوم السبت الساعة التاسعة صباحا، جالس على أريكتك متأملا سقف منزلك بخيال واسع على مقربة من باب المنزل، وفجأة، دق جرس الباب فانقطع خيالك، وناديت بأعلى صوت: “من الطارق؟” فيرد عليك صوت خافت من وراء الباب: “سيدي، هل تريد جريدة؟”، لكنت قفزت من أريكتك وأسرعت إلى محفظتك وناديت بأعلى صوت: “ها أنا قادم، انتظر لا ترحل”. أما الآن تخيل نفس الأحداث ولكن بتاريخ اليوم، لكنت وبخت بائع الجرائد لقطعه يوم إجازتك بضغطه على جرس المنزل.
كل يوم، مع دوران الكرة الأرضية، تقل أهمية الصحف الورقية لتستلم الصحف الإلكترونية العرش الجديد، حيث تقلصت رفوف الجرائد في البقالات وعند المكتبات، وبائع الجرائد بدأ بالبحث عن مهنة جديدة، وهاهي شركات ضخمة تغلق مصانع جرائدها مكتفية بالنشر الإلكتروني فقط لتفادي الخسائر الوقية التي تقع عليها، مثل صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية التي اكتفت بالنشر الإلكتروني فقط عام 2006. وفي حوار مع رئيس التحرير في ديوان وزارة شؤون الرئاسة بأبوظبي، عمر الصاوي حينما سئل عن أسباب توقف الكثير من الصحف من النشر الورقي، أجاب قائلا: “هناك أسباب كثيرة، ولكن أكبرها هو هدر الورق والحبر والمشوار الذي على المتلقي أخده للبحث عن الجريدة الملازمة”.
كما أن أعداد الصحف المكتفية بالنشر الإلكتروني زادت بالأونة الأخيرة لتصل إلى 20% عام 2010 تبعاً لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث. ومازالت النسبة ترتفع بمرور كل عام، لا عجب في ذلك فشاشة الكمبيوتر تلك التي تضوي بالألعاب لمدلل العائلة هي نفسها التي تضيء لرب المنزل بالخبر بكبسة زر. كما من الصعب على الجمهور الانتظار لصباح اليوم التالي لقرائة خبر عن سقوط حاكم مكروه أو وفاة مغني محبوب. وأكد لنا الصاوي أن الميول نحو التكنولجيا مال ميلاً شديداً وأصبحت وظيفة النشر لديهم تكتفي بإرسال رسائل قصيرة تحمل عبارات تلخص الخبر، وأن سهولة وصول الخبر زاد من أعداد القراء بشكل ملفت. حيث أشارت دراسة من مركز بيو للأبحاث مؤخراً أن أعداد قراء الأخبار ارتفع من 39% ليصل إلى 43% بعد انتشار النشر الإلكتروني.
وفي حوار مع طالبة من طلاب الجامعة الأمريكية في دبي فاطمة المشرف، أشارت أنها تفضل قراءة الصحيفة على هاتفها المحمول، مؤكدة أنها لا تعرف كيفية الإمساك بالصحيفة الورقية، وأن الصور غير الملونة تفقدها لذة القراءة. تلك المزايا التي لا تستطيع الصحف الورقية الحصول عليها تزيد من فرار الجميع من حولها، حيث من الصعب تعديل الأخطاء بعد النشر الورقي كما عدم القدرة على إضافة فديوهات وصور كثيرة حول الموضوع أثر سلبا على الصحف الورقية.
ومع ذلك فمحبو العادات القديمة يفضلون لمس الخبر بالجريدة وتصفحها صفحة صفحة فما زالوا لم يقتنعوا بصوت الورق الذي تصدره بعض من برامج الآيفون والسامسونج، وتلك الفئات بسيطة جداً وأغلبها من الأشخاص الذين لا يعرفون استخدام التكنولوجيا.الصحافة الورقية أغدت كالمرأة التسعينية التي تلزم فراش الإنعاش الذي يتيقن من حولها من أطباء متوسطو العمر بانتهاء عمرها ووجوب سحب وصلات القلب تلك التي تبقيها على قيد الحياة ولكن تصرخ عائلتها الصغيرة بـ”لا!”.
Please follow and like us: