التوحد: رحلة من الأمل و الألم مجتمعان

هالة من الأمل، الألم، و انتظار غد أفضل تحاوط مركز دبي لأطفال التوحد. أطفال يركضون معظم الوقت وراء طفولتهم الضائعة في أيام من الصبر. أطفال نظراتهم ضائعة سدا، في الفراغ، و مواهبهم مركونة في تلك الأركان التي يجلسون فيها و كلماتهم صدى إما لصرخة، أو لصمت، و آباءهم و أمهاتهم يسألون إلى متى كلما قدموا إلى مركز دبي للتوحد و اصطحبوا الطفل إلى منزله ليبدؤوا رحلة أخرى من اليوم.
التوحد ، اضطراب طفل و محنة والدين:
في مركز دبي للتوحد، كان يفكر أحد المدربين خارج غرفة مصاب فيها أحد الأطفال بنوبة غضب و صراخ و و لم يكن هناك حل إلا ترك الطفل في حاله ذاك. و بينما ساد التوتر جو المكان، كان يتساءل المدرب، ما الذي استثار هذه النوبة؟ وكيف يمكن هذا الطفل أن يهدأ وماذا يجب على الأهل أن يفعلوا لكي يتفادوا النوبة؟ أسئلة أساسية يطرحها كل من يعمل في مركز التوحد مع الأطفال المتوحدين. فهم يعانون بما عرفه الدكتور محمد فتيحة، الحاصل على دكتوراه تربية خاصة و ماجستير اضطرابات نطق و لغة، و مدير التواصل الحكومي و منسق برامج التدريب في مركز دبي للتوحد – بأنه اضطراب نمائي معقد يظهر في السنين الثلاث الأولى من حياة الطفل، و يؤثر على التواصل الإجتماعي و يخلق ضعف في التواصل اللفظي و غير اللفظي و محدودية في الاهتمامات و الأنشطة. و قالت عفاف الحداد أحد المدربات في مركز دبي للتوحد أن من أصعب المراحل التي يمر بها الوالدين مع طفلهما المتوحد، هي ردود أفعاله المفاجأة، التي ممكن أن تشكل خطر على المتوحد و على الأشخاص من حوله. كأن يضرب نفسه أو يجرب أدوات حادة، أو حتى الميول لاستكشاف أماكن جديدة قد يعرضه للخطر. فالطفل محمد( 7 سنوات) أحد أطفال مركز التوحد عندما سئل لأن يبدأ فترة عمل الفردي، لم يجبر عليها فورا، مع أنه يمكن أن السيطرة على أي طفل باوامر لفظية و صوت جاد، لكن في هذه الحالة لأنه متوحد فقد كانت المدربة تمهد له كل شئ بالصور و بإقناع تدريجي.
التدخل المبكر، تغير بيئي جذري:
تبدأ رحلة العلاج التربوي للتوحد عندما يحين الوقت لتسجيل طفل متوحد في مركز خاص بالتوحد للمرة الأولى. “هذه هي أصعب مرحلة على الطفل، الأهل و المدرب” قالت هالة حسونة، معلمة تربية خاصة في مركز دبي للتوحد، حيث تغيير المكان و البيئة من المنزل إلى المركز الذي سوف يتعلم و يتطور فيه خلال الكثير من الأنشطة الجديدة، يُعتبر خطوة أولى في مشوار الألف ميل. و أضافت: “أن المدربين في المركز لا يفرضون استراتجيتهم فورا، بل ينتظرون ليستكشفوا طبيعة الطفل و ميوله، فيروا ما يحبذه الطفل من وسائل سواء كانت سمعية أو بصرية، ويحاولوا معرفة إن كان الطفل يحب الحياة الاجتماعية أم الانعزال”.
مخيلة أحادية الأبعاد:
يقوم أحمد (9سنوات) بالنظر إلى جدوله البصري خلال كل نصف ساعة. نعم، فحياة أحمد و كل طفل متوحد عبارة عن جدول. يوضح الدكتور محمد فتيحة: “إن الروتينية جزء كبير من حياة الطفل المتوحد”. فالطفل المتوحد، لا يستطيع التأقلم على التغيير و المفاجآت. غير المألوف هو خوف المتوحد الأكبر، و الخيال لا يخطر بباله أو يشغل تفكيره. فإن كان الطفل محمد يحدق إلى الطاولة، أو يغير وضعية نظارته في كل بضع ثوان، فهو لا يفكر في شيء خيالي، أو أحد الشخصيات الكرتون الخارقة كبات مان، إنما هي حالة أخرى من محدودية المخيلة، و شكل من الانطوائية التي يعاني منها معظم أطفال التوحد فلا شيء يطبع في مخيلتهم.
خيوط عقدت ، و يجب أن تفك:
أحمد (9 سنوات) خيوطه هي صديقته الدائمة و رفيقته في الحدائق و الصف و المنزل. لا يلعب بشيء سواها إلا إذا وجهه المدرب أو الوالدين. إن انخراط أحمد وسط المجتمع، تعتبر عملية صعبة، و لكن يبقى السؤال هل حالته علاجها العزلة ام الصبر و مجاراته وسط المجتمع؟؟ سؤال أجابت عليه المدربة هالة حسونة: “من واجب الأهل دمجه في المجتمع و التصرف بحكمة أكبر لا أن يعزل، فبهذا السلوك، يزيد الأهل الطين بلة. ولكن ما الذي يجعل الاهل يختاروا العزل و يعتقدوا أنه الحل الأمثل؟ أسباب كثيرة لخصها الدكتور محمد فتيحة مشيراً إلى أنها كلها حالات من عدم الوعي عن اضطراب التوحد الذي يغرق فيه المجتمع العربي، فهناك من يعتقد ان الاعتراف بمشكلة اضطراب التوحد و التعامل معها علنيا، يقلل من الشأن الاجتماعي و يغير من نظرة المجتمع له. أوهام و عقد يجب أن تتلاشى، عن طريق التوعية بالاضطراب. و هذا ما يحاول مركز التوحد أن يركز عليه عن طريق التعاون مع كثير من المؤسسات للعمل على نشر الثقافة بجانب الإلهام لكل أهالي أطفال التوحد و كل من يحتاج إلى المزيد من المعرفة عن هذا الاضطراب. وزارة التربية و التعليم، و أكاديمية أطفال التوحد الأمريكية و الجمعية الوطنية للتوحد ، كلها مراكز تعاونت مع مركز دبي للتوحد لنشر الوعي.
التوحد، دوامة من الأسئلة التي يجب الإجابة عليها، و لكن الإجابة عليها تتطلب عقول واعية و قلوب مؤمنة بغد أفضل.
Please follow and like us: