الإعلامي محمد أبو عبيد: سعيد لأنني ألهمت عابد فهد في اختيار ملابسه

الإعلامي محمد أبو عبيد يتحدث لقسام صبح في مارينا مول بدبي

يلقب بنصير المرأة واللغة، ويصاب بتلوث سمعي إذا أخطأ أحدهم أثناء كلامه بالفصحى، التقيته في مارينا مول في دبي، كان يجلس واثقاً تملؤه الحماسة للحوار، ويشرب فنجان قهوته بكل سعادة. طرحت صحيفة كلية محمد بن راشد للإعلام (Mbrsc Post) أسئلة عديدة على الإعلامي الفلسطيني محمد أبو عبيد، فجاء هذا الحوار، الذي أعرب فيه عن سعادته بإلهامه الممثل عابد فهد في اختيار ملابسه.

أبدأ من فلسطين حيث ولدتَ وكبرت، كيف تصف مرحلتي طفولتك وشبابك في فلسطين؟

طفولتي كأي طفل فلسطيني يعيش تحت احتلال؛ فلا طفولة بمعنى الكلمة. هي طفولةٌ تسبق أوانها، ولا متعة فيها كباقي دول العالم؛ فالشقاء هو رفيقنا طوال الحياة. أما مرحلتي الانتقالية من الطفولة إلى الشباب فقد عشتها وقت اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى، فتعلمت معنى النضوج قبل وقته، حيث كنا جميعاً في صراع مع دولة احتلال، وهذا الصراع ينجم عنه تكوين شخصية تختلف كلياً لو كان النضوج في مكان مستقر. ففي المرحلتين لم يأخذ الفلسطيني حقه كالباقيين.

 هذا الصراع أدخلك السجن مرتين، الأولى في 1990 والأخرى في 1996، ماذا علمك السجن؟

تجربة السجن لا يمكن اختزالها في لقاء صحفي، ولكن تجربتي مقارنة بغيري لا تذكر، فأن تقضي سنة في سجون الاحتلال تعتبر نزهة إذا ما نظرنا لمحكومي المؤبدات. ولأنه في الليلة الظلماء يفتقد البدر، فلقد شعرت بطعم الحرية عندما فقدتها في زنازين الاحتلال. ما يزيد التجربة فخراً أني لست سجيناً بسبب تهمة جنائية، وإنما لأنني وباقي الفلسطينيين أدوات استفزازية لقوات الاحتلال. فنحن ندخل السجن لكوننا فلسطينيين، ولأننا نناضل ونكافح من أجل الحرية. إجمالاً هي تجربة علمتني معنى قيمة حرية الانسان، ومعنى أن يكون لك عدو لم تختره، وتناضل ليس كرهاً به وإنما كرهاً باحتلاله، وعشقاً لحريتك وكرامتك وهويتك.

منذ ستةِ عشرِ عاماً طللت علينا في برنامج “صباح العربية”، كيف انتقلت من الصحافة السياسية إلى تقديم برنامج صباحي ترفيهي؟

لم أتوقع أبدأ أن أكون مقدماً لبرنامج ترفيهي، لأنّي نشأت صحفياً مختصاً بالمواضيع السياسية والإنسانية. بدأت العمل في قناة العربية عام 2003 كصحفي ومحرر، وبعد ذلك جاءني الأستاذ عبد الرحمن الراشد المدير العام للقناة آنذاك، وطرح عليّ فكرة برنامج ترفيهي صباحي يناقش قضايا فنية واجتماعية، ولكنه كان حريصاً على أن لا يجرد القناة من طابعها الإخباري. فأراد شخصاً يستطيع الموازنة بين الجدية والمزاح. فوقع اختياره عليّ، وكنت تحت الاختبار لأسبوعين على الهواء مباشرة، توقعتُ ألا أعمّر أسبوعاً في البرنامج، ولكن بعد انقضاء المدة لم يراجعني أحد، فذهبت للأستاذ عبد الرحمن وقلت له: “أنا في انتظار الجواب”. فقال لي وقتها: ” ما دام انقضى الأسبوعان، فأنت معنا.” وبقيت هكذا في “صباح العربية” لثمانية أعوام.

الفنان السوري عابد فهد قال إنه استلهم منك فكرة ملابس شخصية جابر سلطان في مسلسل “طريق”، وأنت صرحت بأنّ هذا أسعدك، ولكنّ الشخصية تمثل الشاب غير المتعلم والذي تفصله مسافات شاسعة عن الأناقة، ألم تنزعج من فكرة ربط ملابس تشبه ملابسك بصفات كهذه؟

لم أنزعج، فبمجرد أنني ألهمت الفنان عابد فهد فهذا بحد ذاته أسعدني. عابد فهد استلهم الفكرة مني ولكن ربما طريقة “تلبيق” الأزياء لم يكن موفقاً فيها أو ربما الشخصية تتطلب ذلك. عابد فهد معجبٌ بملابسي من قبل، ودائم السؤال لي عن المكان الذي أشتري منه الملابس وخصوصاً “الجاكيتات الكارهوات”. أما طريقة لبس جابر سلطان فربما كان مبالغاً فيها بعض الأحيان، ولكن هذا لا يعيبني

الممثل عابد فهد في شخصية جابر سلطان بمسلسل “طريق”

عرفتَ بأنك نصيرٌ للغة العربية، هل ترى تردياً في مستوى استخدام اللغة العربية هذه الأيام؟

هو ليس تردياً فقط، وإنما هي حالة تنكيل ومجازر في حق اللغة العربية. ومن المعيب أن يصيب هذا التردي الإعلام العربي أو الشعر والنصوص الأدبية، فأنا أفتح بعضاً مما يسمى بالدواوين الشعرية وأجد عشرات الأخطاء النحوية وهذا لا يجوز بتاتاً.

وما أسباب ذلك من وجهة نظرك كصحفي ولغوي؟

هذا يعود لعدة أسباب، أهمها الأسلوب الذي تدرّس فيه اللغة العربية في المدارس، وهو أسلوب ينفِّر الطلاب ولا تحبب الطالب بلغته. أعتقد أنّ هذا الأسلوب يجب أن يتغير، ويترافق مع دورات للمعلمين في طريقة تدريس اللغة العربية. ثانياً كثيرٌ ممن يكتبون باللغة يتقعرون فيها، ويوغلون في الخلافات النحوية، ويحاولون إظهار عضلاتهم اللغوية أكثر من تركيزهم على إيصال معلومة مفيدة.

كإعلامي سياسي، وبعد عشر سنوات من بداية الربيع العربي، هل ترى أنّ الثورات العربية كانت خطأً في تاريخنا أم أنها خطوة جيدة نحو الحرية؟

لا يمكنني أن أحكم على حادثة بالخطأ المطلق أو الصحيح المطلق، خاصةً إذا تعلق الأمر بالثورة. فكل الثورات لها أخطاءٌ وفيها كثير من الصواب. الشباب العربي اليوم في عصر الفضاء المفتوح، ويريدون أن يواكبوا ما يعيشه الآخرون، لذا كان على الأنظمة الحاكمة في هذه الدول أن تراعي التغيير الحاصل في طريقة التفكير. أعتقد أنه من الأفضل لو بدأت الأنظمة الحاكمة بالإصلاحات قبل أن يبدأ الشارع خطواته نحو التغيير ويحصل ما نراه الآن. في رأيي بعض المناطق بدأت بدايات صحيحة؛ ولكن ثورتها اختُطفت لصالح جهات خارجية، فتجد مواطنها الآن نادماً على ما حدث. أخيراً أقول إنّ الثورة لا تسمى ثورة إلا باكتمال إنجازاتها، فإذا لم تحقِق الحلم بعد فهي نصف ثورة، وأنا لا أرى أياً من الدول العربية التي أصابها ما يسمى الربيع العربي قد أنجزت المطلوب. لم أرَ إلا كثيراً من التشريد والتهجير.

الإعلامي محمد أبو عبيد: لا أتخيل صحفياً غيرَ متمكن من اللغة

أخيراً، أطلب منك نصيحة لطلاب الصحافة والإعلام تضعهم فيها بأهم خبايا هذه المهنة؟

بالنسبة لي، الصحافة ليس مجرد ظهور على شاشة، واليوم أغلب الدارسين للإعلام يحلمون بهذا ليصبحوا شخصيات عامة، ويتابعهم الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا يدمر الصحفي، فالصحفي الحقيقي يجب أن تتوافر فيه عدة عناصر، أولها الثقافة العامة؛ فلا يمكنني أن أتصور صحفياً لا يجيد أساسيات الثقافة العامة فيمتلك شيئاً من اللغة، التاريخ، الجغرافيا، السياسة، الفن، والموسيقى.   ثانياً، أن يركز الصحفي على موضوع يهتم فيه أكثر من غيره كي يكون متخصصاً فيه كالسياسة أو الاقتصاد. ثالثاً والأهم هي اللغة، فلا أتخيل صحفياً غير متمكن من اللغة والكتابة، وهنا لا أقصد مجرد كتابة عادية، وإنما كتابة نص صحفي محترف مقروء في جريدة، أو على صورة للتلفزيون، أو مسموع في الراديو. رابعاً أن يكون قادراً على الكلام بالفصحى فيما إذا تمت دعوته لمؤتمر ما، يمتلك القدرة على المحادثة،. وأخيراً يجب على الصحفي أن يكون ذا نظرة ثاقبة تلتقط الأشياء؛ بمعنى أن يرى شيئاً مرّ عنه الناس ولم ينتبهوا له، فيلتقطه ويجعل منه قصة.

 

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM