اشعروا قليلاً: كُلنا نركض وراء الإنتاجيَّة وهي منا تهرب

تصوير كارل هيردال من موقع أنسبلاش

“هذه الحياة لي”…

بثقة أكرر أنا هذه العبارة يومياً. ومازلت. لا أدري إن كانت هي عبارة مشجعة لي أنا ابنة التاسعة عشر،  طالبة الصحافة ووسائل الإعلام الرقميَّة في الجامعة الأمريكيَّة في دبي، أم هي عبارة منبثقة من الأنا في داخلي تصرخ للدنيا تهيئي قد أصل قريباً.

ولكن لكِ أيتها الدنيا رجاءً مني: قللِ خطواتك ولا تنتهِ سريعاً. فكُلنا نركض وراء الإنتاجيَّة وهي منا تهرب لأن نظرًا لأحداث غير مسبوقة في عام ٢٠٢٠، أعظمها تفشي وباء كوفيد – ١٩، تغيَّرت علينا ملامح الحياة التي لطالما أعتبرت أمراً مفروغاً منه.

هذه الحياة لنا. معاً سوياً كنَّا نقضي يومنا مجتمعين بالسراء والضراء.

لكن على إثر الحجر المنزلي نشأت فكرة الإنتاجيَّة واستغلال وقتنا الضائع في العمل. فتحدث الجميع عن “وقت الإنتاج” وقالوا لن  يتسنى لنا وقت أهدأ من الآن نظرياً للعمل على مشاريعٍ ناجحه واستثمار قدراتنا نحو تحقيق قمة أحلامنا.

لكن ذلك الوقت المتبقي الأن من يومنا، لم نعتد عليه ليكون مُلكاً لنا. بل هو مُلكاً للمواصلات والتجمعات وتطفل الآخرين على حياتنا وبعض الأحاديث العابرة وغيرها التي تبقى حسرة عند معظمنا بعد عام من التعايش مع جائحة حضرت دون سابق إنذار.

ولكن ضجَ صوت إنذار وعاد نفسه: “هذا الوقت لكم. انتجوا واستثمروا ولا تضيعوا أوقاتكم”. ولكني لم أفهم بعد. لم أستوعب أنني من منزلي أتواصل مع جاري بشكل مرئي غير مباشر. لا أستوعب بأنني لن أقود سيارتي يومياً. ولن أصل حتى بوابة جامعتي ويكون حارسها واقفاً مبتسماً لي، نتمنى لبعضنا يوماً سعيداً. ولن أصل حتى مرحلة حضن أصدقائي الذين أقابلهم يومياً دون كللٍ.

لم أستوعب بعد، أن دكتوري الجامعي أصبح زائراً في منزلي. وحفظ أرجاءه. لم أستوعب راحة جسدي ولا أعلم أين مصير غفوتي تلك على الأريكة وأنا متعبة من يومي الشاق الحماسي. لم أستوعب شيئاً بعد إلا أنني ملزمة على ركض وراء الحياة. فسينتهي العام..!

شعرنا كثيراً بالضغط. وسمعنا الكثير من القصص التي نجحت وانتجت كتاباً. أو بودكاستاً. أو برنامجاً على يوتيوب. ورأينا الكثير من النساء والرجال وهم يعرضون أجساداً لطالما حلمنا بالحصول عليها. وقرأنا العديد والعديد من العناوين الرئيسيَّة التي ترشدنا لتحدي المرض الفيروسي. إلا أننا كنا نتحدى أنفسنا.

أجرمنا بحق أنفسنا. لم نستوعب بعد. حتى أصبح الإنذار عبئاً علينا. وإن عدنا اليوم إلى حياة تشابه ما كنَّا عليه فلا يعني أننا عدنا. لقد اعتدنا على جعل كل لحظة من لحظاتنا منتجة بشكل ما وعندما ضجَ العالم كذباً بالإنتاجيَّة أحرقنا أنفسنا ندماً. واليوم لم يبقَ إلا قليل من الصبر والكثير من القلق.

ورغم أن اليأس هو أعظم مصدر للإنتاج. إلا أننا نكذب. ما زلنا لم نعتد. ما زلنا عالقين بتلك المحادثة التي لو لا الحجر لكنَّا طوّرناها وأصبحنا شركاء فكرة أو غصة وحزن على ما كان في الحياة من همومٍ. كنَّا نستطيع أن نواسي بعضنا آنذاك بغمرة تُبهِجُ الضلوع والقلوب.

فبعد عام. ما الذي يبهج قلبك؟ هل ما أنتجته وحيداً في منزلك؟ أم بسمة غريب؟ هل فكرت بما عليك من واجبات وأعمالٍ عندما تسنت لك فرصة قضاء يومٍ كمالٍ وأنتَ تختلط مع الغرباء؟ هل حقاً أزعجك إنتاج غيرك؟ لا أظن. لأنك متحمس الآن كطفل بدأ يتعرف على حياة جديدة. مازالت ملامح الحياة مختلفة عن التي اعتدنا عليها. مازلنا لم نستوعب. مازال اليقين مفقوداً. لكن أصبحت البسمة تسعدنا. وتحضر معها القليل من الأمل المختبئ وتنشره في روض نجتمع سوياً متساوي الهم والقلق.

هل حقاً علينا الشعور بعبء عدم انتاجاتنا في وقت نصارع  للعيش. ونركض وراء لملمة بقايا آمالنا وأحلامنا؟ هل كُلنا تسعدنا الإنتاجيَّة الفرديَّة؟ هل نريد أن نؤرخ أعمالنا في زمن هذه المحنة؟ هل نستوعب نحن كل الذي يحصل حولنا؟ أم مازال جوابنا وفيٌ لعبارة “لم نستوعب بعد”، فمشاعرنا لها حقٌ علينا.

وعلى العام هذا واجبٌ، أن ينتظرنا. فلا بأس. التأخر قليلاً خيراً من أن نصبح جيلاً أهلكَ عقله ومشاعره وجسده في حرب خاسرة. قليل من الوقت متبقي. فليصبر الصبر. ويتعقل العقل. حتى تعود ابتسامتك تبارك لي ما أنتجه. ولا أبقى أنا أركض وراء الإنتاجيَّة وهي مني تهرب.

هذه رزان أبو شقرا ولم أستوعب بعد. فهل أنتم مثلي؟

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM