خالد يصنع صباحات الجامعة الأمريكية في دبي

قمر غريب – محمد سلام – يارا هباهبة – هيا عزي – حبيبة الشناوي

استأثرت شخصية خالد حسن رشيد، صانع “منقوشة الزعتر” الشهيرة في الجامعة الأمريكية في دبي، باهتمام طلبة السنة الثانية في كلية محمد بن راشد للإعلام، فرع الصحافة، وما كان لعجينته البسيطة، إلا أن تحرض أقلامهم، وتخاطب مكنوناتهم.

فكتبوا: 

قمر غريب

بين التنور والغربة: منقوشة الزعتر تحكي قصتنا.

لِكُلِّ مَدِينَةٍ نَكْهَةٌ خَاصَّةٌ بِهَا، رَائِحَةٌ تُخْفِي وَرَاءَهَا قِصَصًا وَأَحْلَامًا، تُلْصِقُ نَفْسَهَا بِذَاكِرَتِكَ لِتُعِيدَكَ إِلَيْهَا حِينَ تَغِيبُ. وَلَكِنَّ رَائِحَةَ مَنقُوشَةِ الزَّيْتِ وَالزَّعْتَرِ تَتَجَاوَزُ حُدُودَ المَكَانِ لِتُصْبِحَ هُوِيَّةً، رَمْزًا لِـ”الِانْتِمَاءِ” فِي شَتَاتِهِ. فِي كُلِّ صَبَاحٍ، وَأَنَا أَسِيرُ نَحْوَ جَامِعَتِي فِي هَذَا البَلَدِ الغَرِيبِ، تُلَامِسُنِي رَائِحَةُ الفُرْنِ الَّذِي يَعْمَلُ عَلَيْهِ خَالِدٌ فِي الكَافِيتِيرْيَا، فَتُعِيدُنِي إِلَى حَارَاتِ بَلَدِي، إِلَى ذَاكِرَةٍ حَمَلْتُهَا مَعِي فِي هِجْرَتِي.

unknown.jpg

وَفِي كُلِّ صَبَاحٍ، أَتَذَكَّرُ أَنَّ خَالِدًا يُشَارِكُنِي ذِكْرَيَاتٍ مُمَاثِلَةً. فَهُوَ أَيْضًا كَبُرَ عَلَى مَنقُوشَةِ الزَّيْتِ وَالزَّعْتَرِ، تَعَلَّمَ طَعْمَهَا مِنْ يَدَيْ أُمِّهِ، فِي قَرْيَةٍ سُورِيَّةٍ تَحْمِلُ نَفْسَ النَّكْهَةِ الَّتِي تَتَسَرَّبُ إِلَى كُلِّ مَنزِلٍ. وَلَكِنَّ القَسْوَةَ وَالحَرْبَ جَعَلَتَاهُ يُغَادِرُ وَيَتْرُكُ عَائِلَتَهُ وَرَاءَهُ، كَمَا تَرَكْنَا نَحْنُ. جَاءَ إِلَى هُنَا لِيَبْنِيَ لَهُ وَعَائِلَتَهُ مُسْتَقْبَلًا جَدِيدًا، وَأَنَا جِئْتُ لِلتَّعْلِيمِ، كُلٌّ مِنَّا لِسَبَبٍ مُخْتَلِفٍ وَلَكِنَّ الحُلْمَ وَاحِدٌ: مُسْتَقْبَلٌ أَفْضَلُ.

كُنتُ أُقَاوِمُهَا بِعِنَادِ الطُّفُولَةِ، أَرْفُضُ مَنقُوشَةَ أُمِّي بِشِرَاسَةٍ، وَأُسَارِعُ كُلَّ صَبَاحٍ إِلَى خَالِدٍ، الَّذِي يَعْرِفُ تَمَامًا مَا سَأَطْلُبُهُ: مَنقُوشَةُ زَيْتٍ وَزَعْتَرٍ.

المُفَارَقَةُ؟ أَنَّ هَذِهِ الرَّائِحَةَ، الَّتِي كُنتُ أَهْرُبُ مِنْهَا يَوْمًا، أَصْبَحَتِ اليَوْمَ مَلَاذِي. وَكَأَنَّنِي، مَعَ كُلِّ قَضْمَةٍ مِنْ مَنقُوشَةِ الزَّيْتِ وَالزَّعْتَرِ، أَعُودُ إِلَى جُزْءٍ مِنْ هُوِيَّتِي الَّذِي حَاوَلْتُ سَابِقًا طَمْسَهُ. هِيَ تَذْكِيرٌ جَمِيلٌ بِتِلْكَ النِّسَاءِ العَجَائِزِ فِي سُورِيَا اللَّاتِي كُنَّ يَعْجِنَّ بِحُبٍّ، وَيَخْبِزْنَ فِي التَّنُّورِ، بِابْتِسَامَاتٍ دَافِئَةٍ تَرْحَبُ بِالعَابِرِينَ وَكَأَنَّهُنَّ يَحْتَفِينَ بِالعَالَمِ بِأَسْرِهِ. كَانَتْ هَذِهِ المَنقُوشَةُ رَمْزًا لِلكَرَمِ وَالضِّيَافَةِ، طَعَامًا يَجْمَعُ بَيْنَ الغَنِيِّ وَالفَقِيرِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. هِيَ ذِكْرَى مُتَجَذِّرَةٌ فِي الأَجْيَالِ، مِنْ طُفُولَتِنَا وَطُفُولَةِ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا، حَاضِرَةٌ فِي أَيَّامِ العِزِّ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الشِّدَّةِ، رَفِيقَةُ السُّورِيِّ حِينَ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ سِوَى مَنقُوشَةِ الزَّيْتِ وَالزَّعْتَرِ. هِيَ رَمْزٌ لِلبَقَاءِ وَالصُّمُودِ أَمَامَ كُلِّ الظُّرُوفِ.

unknown_1.jpg

كَانَ مَحْمُودُ دَرْوِيشَ مُحِقًّا حِينَ قَالَ: “أَطْيَبُ مَا أُحِبُّ مِنَ الطَّعَامِ الزَّيْتُ وَالزَّعْتَرُ”، لَيْسَ فَقَطْ لِطَعْمِهِمَا، بَلْ لِأَنَّهُمَا تَرْوِيَانِ حِكَايَةَ شَعْبٍ كَامِلٍ. نَحْنُ جِيلٌ هَرَبَ مِنْ سُورِيَا، لَيْسَ جَسَدِيًّا فَقَطْ، بَلْ مِنْ أَزْمَةِ هُوِيَّةٍ عَمِيقَةٍ، أَزْمَةٌ تُجْبِرُنَا عَلَى مُحَاوَلَةٍ يَائِسَةٍ لِـ”الِانْدِمَاجِ”، لِتَقَبُّلِ مَا هُوَ مُخْتَلِفٌ، وَلِلتَّخَلِّي عَنْ جُزْءٍ مِنْ ذَوَاتِنَا كَيْ نُصْبِحَ جُزْءًا مِنْ نَسِيجٍ جَدِيدٍ. وَلَكِنَّ الذَّاكِرَةَ عَنِيدَةٌ، وَالوَطَنُ لَيْسَ مُجَرَّدَ جُغْرَافِيَا، بَلْ هُوَ رَائِحَةٌ، هُوَ ذِكْرَيَاتٌ، هُوَ طَعْمُ مَنقُوشَةٍ تُحَضَّرُ بِحُبٍّ فِي تَنُّورٍ قَدِيمٍ، تُخْبَزُ بِأَيْدٍ مُتَجَاعِدَةٍ، بِأَيْدٍ تَعْرِفُ سِرَّ الخُبْزِ دُونَ حَرْقٍ.

وَرَغْمَ أَنَّ مَنقُوشَةَ خَالِدٍ لَيْسَتْ مُطَابِقَةً تَمَامًا لِتِلْكَ الَّتِي كَانَتْ تَصْنَعُهَا أُمِّي أَوِ المَرْأَةُ العَجُوزُ فِي سُورِيَا، إِلَّا أَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِمَا يَكْفِي لِتُعِيدَنِي إِلَى جُذُورِي. وَرَغْمَ اخْتِلَافِ ظُرُوفِنَا، تَظَلُّ المَنقُوشَةُ هِيَ الوَصْلُ بَيْنَنَا. كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ، بَيْنَ كُلِّ قَضْمَةٍ، نُسَافِرُ إِلَى ذَاكِرَةٍ وَوَطَنٍ تَرَكْنَاهُ، فَإِنَّ خَالِدًا يَفْعَلُ الشَّيْءَ نَفْسَهُ. نَتَشَارَكُ حُلْمَ العَوْدَةِ إِلَى سُورِيَا، وَلَوْ أَتَتِ الفُرْصَةُ فِي الغَدِ، لَكُنَّا أَوَّلَ العَائِدِينَ. هَذِهِ المَنقُوشَةُ أَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْ هُوِيَّتِي الجَدِيدَةِ فِي الغُرْبَةِ، تَمَامًا كَمَا هِيَ جُزْءٌ مِنْ هُوِيَّةِ كُلِّ سُورِيٍّ يَعِيشُ هَذَا الصِّرَاعَ. هِيَ رَمْزٌ لِلتَّوْطِينِ فِي الغُرْبَةِ، وَلَيْسَتْ هُرُوبًا، بَلْ اسْتِمْرَارِيَّةٌ لِلطَّعْمِ الأَصِيلِ لِـ”المُنْتَمِي” أَيْنَمَا كَانَ.

محمد سلام

سر شطيرة الزعتر والزيت في الجامعة الأمريكية بدبي

شطيرة الزعتر والزيت التي يعدها خالد المطعمجي في كافيتيريا الجامعة الأميركية في دبي ليست مجرد وجبة عادية، بل هي تجربة فريدة يجب أن يخوضها كل طالب على الأقل مرة واحدة. ما يجعل هذه الشطيرة تستحق الإشادة ليس فقط مكوناتها التقليدية، بل أيضاً الطريقة المميزة التي يتم تحضيرها بها والاهتمام الذي يضعه خالد في كل تفصيلة، مما أكسبها شعبية كبيرة بين الطلاب والأساتذة على حد سواء. إنها الخيار الأفضل في الكافيتيريا، حيث تجمع بين المذاق الأصيل والجودة العالية، وكل ذلك بسعر يناسب الجميع.

أول ما يلفت انتباهي عند زيارة الكافيتيريا هو رائحة الزعتر الطازج وزيت الزيتون البكر الممتاز. خالد، الذي يبلغ من العمر 45 عاماً، لا يستخدم أيزيت عادي، بل يختار أجود أنواع زيت الزيتون، مما يضفي نكهة غنية ومميزة على كل شطيرة.

unknown_2.jpg

أما العجينة، فهي دائماً طازجة وتُخبز على الفور، مما يضمن أن تكون الشطيرة ساخنة ومقرمشة. يتم بعدها دهن الخبز بالزيت بسخاء، ثم يُرش الزعتر الحلبي والفلسطيني على السطح لتتجانس النكهات مع كل قضمة. كما انها غنية بالعناصر الغذائية، فالزعتر يحتوي على مضادات الأكسدة والفيتامينات، وزيت الزيتون معروف بفوائده الصحية للقلب والأوعية الدموية.

بالنسبة للسعر، فإن شطيرة الزعتر والزيت تعتبر قيمة ممتازة مقابل المال. تُباع شطيرة الزعتر والزيت بسعر10 دراهم  (2.74 دولار) فقط، وهو سعر مناسب جداً مقارنة بالخيارات الأخرى المتاحة في الكافيتيريا. في الوقت الذي تصل فيه أسعار بعض الوجبات إلى 16 أو 21 درهم (4.36 أو 5.72دولار)، يُعد هذا السعر الاقتصادي خياراً ممتازاً للطلاب الذين يبحثون عن وجبة خفيفة وشهية دون الحاجة إلى إنفاق الكثير من المال. بالإضافة إلى أنها خيار صحي، فهي تمنح الطلاب الطاقة اللازمة لإكمال يومك في الجامعة.

ما يميز شطيرة الزعتر والزيت التي يقدمها خالد عن غيرها هو الاهتمام بالتفاصيل والخبرة التي يضعها في كل خطوة. فبخبرة تزيد عن أربعوعشرينعاماً، أتقن خالد فن إرضاء أذواق زبائنه، سواء كانوا يفضلون الشطيرة مغمورة بالزيت أو مع قليل منالزعتر. بالإضافة إلى ذلك، هناك شعور خاصبالدفء يرافق تحضيره للشطيرة أمام الطلاب. ابتسامته وروحهالمرحة تضيفان نكهة مميزة للطعام، فتشعر وكأن الوجبة أعدت خصيصاً لك. هذاالشعور هو ما يدفعني دائماً للعودة وطلب شطيرة الزعتر والزيت من خالد.

unknown_3.jpg

في نهاية المطاف، تمثل شطيرة الزعتر والزيت التي يعدها خالد أكثر من مجرد وجبة تقليدية. بسعر10 دراهم فقط، هذه الشطيرة توفر لك وجبة لذيذة، اقتصادية، ومشبعة. إذا كنت في الجامعة الأميركية في دبي ولم تجربها بعد، فأنت تفوت على نفسك تجربة طعام مميزة تجمع بين الأصالة والنكهة اللذيذة.

يارا هباهبة

مقاومة الزيت والزعتر

إن كان لذاكرتي الأردنيّة الدافئة أن تتجسّدَ في شيءٍ ملموس، فلا بدَّ من أنْ يكون هذا الشيء هو منقوشة الزّيت والزّعتر. ولا سيّما تلك التي يصنعها خالد “المطعمجي”، كما اعتدنا على أنْ نسميه بالصّف. خالد هو رجلٌ سوريّ يعمل في كافتيريا جامعتي، أحد الأماكن المعينة التي أحبُّ أن أذهب إليها كلّما تضيق بي الجامعة وأضيق بها. ويختصُّ خالد بخبز المناقيش بشتّى أنواعها؛ ولكنني قررت بأن أتوّجَ منقوشة الزّيت والزّعتر بلقب الأكثرُ ذكاءاً.

unknown.jpg

يتجلّى ذكاء منقوشة الزيت والزّعتر بأنها متاحةٌ للجميع، ولا تكلّف سوى بضعة دراهم. ممّا يجعلها، من الناحية الاقتصاديّة، الوجبة المثاليّة لتلبية احتياج الجميع، نظراً لبساطة مكوّناتها كالعجين والزّيت والزّعتر، ولما تقدمه من زُهدٍ في السعر وفوائِدَ غذائيةٍ.

unknown_4.jpg

كما تكمن عبقريّة منقوشة الزّيت والزّعتر، تلك الأكلة المفعّمة بالنكهاتِ والأحاسيس، بأنّها سرديّة ثقافيّة تجدُ ذاتها تائهة بين أطياف العولمةِ ومظاهر التّرف والاستهلاك الصاخبة في دبي. وألمحُ من النّاحيةِ الأُخرى في هذا الطبق سرديّة التهجير والاغتراب، وهو جانبٌ تفتقدهُ معظم وجبات “البُرجر” التي يهمُّ معظم طلابِ الجامعةِ بالانقضاضِ عليها. فالزّعتر الممزوج بالزّيت يستحضر رموزاً للأرض والهُويّة، ممّا يذكّرني بأنّني أنتمي لجاليةِ “أبْناء الزّيت والزّعتر” ويعيدُ إلى الذّاكرة صورة بيت جدتي، وأرض الزّيتون المنسيّة بجانبهِ، فيصبحُ خالداً، مخزناً لتلك الصور، والتّهامي لمنقوشتهِ ما هو إلّا ضمان لدوام تلك الذاكرة. فهو، بلا وعي منهُ ربّما، يُمارس فعلاً مقاوِمٌ يومي،مقاومةً ثقافيةً ترفض طمس الهُويّة العربيّة منخلالِ فعلٍ بسيط للغاية: خبزُ قطعة من التراث، ومن ثم َّتقديمها في عالمٍ يبدو فيه كلُّ شيء يتجه نحو الاندثار.

وفي ظلّ ضغوط التَّغريب والاحتلال والفوْضى العارمة في العالم العربيّ اليوم، اتَّضح أنَّ الزّيت والزّعتر أكثرُ من مجرد توابل في وجبةٍ صباحيَّة؛ إنَّه لغةُ الأرض الّتي تحمل جِراحَ قضيّة أُهمِلت وتُراثٍ استُبعِد من ذاكرةِ العالم. ومن هنا، يُصبح خالدا، رمزاً لصمود تلك الذّاكرة المُقاومة الّتي ترفض أنْ تختفي في وجه عالمٍ لا يكترث. دمتَ خالداً يا خالد، ودام الزّيت والزّعتر خالداً، ودمتَ رمزاً تذكّرنا بأنّنا “باقون ما بَقيَ الزّعتر والزّيتون”.

هيا عزي

منقوشة الزعتر والزيت: ذكريات الوطن في قلب الجامعة الأمريكية.

عندما أشتم رائحة منقوشة الزيت والزعتر التي يُعدّها خالد “المطعمجي” البالغ من العمر 45 سنة، في أنحاءا لجامعة الأمريكية في دبي، تعود بي الذكريات إلى حبيبتي، سورية، حيث كانت تلك الرائحة تملأ الأجواء كل صباح. تذكرني بنفس المنقوشة التي كانت جدتي تعدها لي كل يوم، برائحتها العطرة وطعمها الذي لا يُنسى. كل قضمة تعيدني إلى ذكريات الطفولة، حيث كانت تلك المنقوشة تُقدَّم لي بكل حب وحنان.

unknown_5.jpg

لا أعتقد أن هذه المنقوشة ستكون لذيذة بنفس القدر إذ قام بتحضيرها شخص آخر؛ فاللّمسة السحرية أو السورية التي يضعها خالد أثناء تحضيرها تجعلها مختلفة عن أي منقوشة أخرى، لكن جمالها لا يقتصر على مكوّناتها لأنَّ خالد هو مثال للنظافة والاحترافية. في كل مرة أزوره، ألاحظ كيف يحافظ على المكان نظيفًا ومنظمًا، ويولي اهتمامًا كبيرًا بتفاصيل التحضير. يحرص على استخدام مكونات طازجة، ويعمل بكل طاقته ليضمن أن كل منقوشة تخرج من الكافتيريا تحمل نكهة وجودة عالية على مدى الخمسة سنوات التي عملَ بها هنا. إن روح خالد وطريقته الودودة في التعامل مع الطلاب وكادر التعليم تعكس حبه للمهنة، مما جعلَ تناول المنقوشة روتين يومي لا يمل منه.

تُستخدم عجينة طازجة ورقيقة، تُدهن بزيت الزيتون، ثم تُضاف إليها خلطة الزعتر المميزة، التي تشمل الزعتر المجفف، والسمسم، والملح، مع لمسة من النعناع. تُخبز المنقوشة حتى تصبح ذهبية اللّون ومقرمشة من الخارج، مع احتفاظها في الداخل نكهة الزعتر الغنية. تتميز منقوشة الزعتر بفوائد عديدة، حيث يُعتبر زيت الزيتون مصدراً غنياً بالأحماض الدهنية الصحية، التي تعزز صحة القلب وتساعد في تقليل الالتهابات. أما الزعتر، فهو من الأعشاب المعروفة بفوائدها الصحية، حيث يُعزز جهاز المناعة ويُعتبر مضاداً للميكروبات. كما يحتوي على مركبات تساعد في تحسين الهضم وتقليل التوتر.

unknown_6.jpg

منقوشة الزعتر والزيت التي يُعدها خالد ليست مجرد وجبة سريعة، بل هي تجسيد للذكريات، للحنين، وللتراث. في كل مرة، أشعر بأنني أستعيد جزءً من هويتي ونفسي، وأتذكر كم هو جميل أن يجتمع الطعم الأصيل مع ذكريات الوطن الحبيب. هذه المنقوشة تفتح أمامي أبواب الذكريات والماضي، حيث تعود بي إلى لحظات جمعتني مععائلتي حول مائدة الفطور، وعلى قصص وأحاديث باتت ذكريات لا أكثر. إنها تجربة تأخذني في رحلة عبر الزمن، تُذكرني بأن الطعم الجيد ليس مجرد نكهة، بل هو جزء من قصتنا المشتركة، قصة غنية ولكن عميقة وبعيدة وأصبحت فقط حكاية تعيش في قلوبنا إلى الأبد.

حبيبة الشناوي

مناقيش خالد ولمسته الوطنية

unknown_7.jpg

بينما أقف في طابورٍ طويل، أنتظر دوري مثل باقي الطلاب في الجامعة الأمريكية بدبي لأخذ منقوشة الزعتر التي تثير أحاسيس الجوع في بطني كلما اشتهيها في المحاضرة. فتتلاعب رائحة العجينة الطازجة الممزوجة بالزعتر الخارجة من الفرن بحواسي طوال المحاضرة. وما يجعلني أشتاق إليها كل صباح هو المطعمجي خالد، الذي يعدّها بلمسة سورية سحرية تجعل طعمها في فمي طوال اليوم.

خالد، رجلٌ سوري من محافظة السويداء، “روما الصغيرة”، يبدأ بإعداد المناقيش للطلاب، بمختلف أنواعها، من الساعة التاسعة صباحاً حتى تدق الساعة 12 ظهراً. يستخدم خالد الزعتر الحلبي والنابلسي، اللذين يعدان من التراث الفلسطيني والسوري العريق، ويضاف عليهما السمسم. ثم يخلطهما معاً ويضعهما على العجينة، ويدخلها في الفرن لمدة لا تتجاوز الخمسة دقائق. وتختلف طريقة تسوية المنقوشة حسب طلباً لزبون؛ فبعض الطلاب يحبونها “طرية إلى حدٍ ما، أو محمرة”.

وقال خالد في مقابلة قصيرة أنه يعد أكثر من 50 منقوشة في اليوم، أغلبهم مناقيش إما الزعتر والجبنة. “هناك أيام يباع فيها الزعتر بشكل كبير، وأيام أخرى يزداد الطلب على الجبن”. أضاف أيضًا أن سبب وراء لهفتهم عليها هو أن مناقيش الزعتر تفتح النفس، وهي أكلة خفيفة للصباح ورائحتها تشهي. 

unknown_8.jpg

يعود تاريخ عجينة المناقيش إلى القدماء المصريين، حيث كانوا الأوائل في اكتشاف طريقة صنع العجينة بواسطة عملية تخمير طحين القمح والشعير التي كانت تقود الىصنع الخبز على شكل قرص. ومن ثم، بدأت بلاد الشام (سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن) إضافة منتجات على العجين، مثل الجبن، والزعتر، والفليفلة لتصبح أكلة متداولة،وخصوصاً في سورية ولبنان. 

مع الأسف، منقوشة الزعتر أو الجبن التي تعتبر ترويقة في لبنان تغيب عن سفرة طعام الفقراء ومتوسطي الدخل، بعد ارتفاع سعر الدولار. ولا تقتصر المشكلة فقط عند الأسعار، بل أيضاً انقطاع السيولة المادية، الذي نتج عن إقفال أفران في مختلف المناطق في لبنان، بعد أن كانت تجذب زبائن كثيرة.

الزعتر ليس فقط مكوناً أساسياً في مناقيش الصباح، بل هو نبات معروف بفوائده الصحية، التي جعلته إحدى وسائل العلاج منذ زمنٍ قديم. يحتوي على معادن وفيتامينات مثل النحاس، الحديد، المنغنيز، فيتامين “ب”، كما قالت مختصة التغذية ميشيل عقل. ويساعد الزعتر على التخلص من التهابات اللثة. ويعتبر أيضًا، علاجاً للسعال وأمراض الجهاز التنفسي والتهاب الشعب الهوائية. ولكن على الغرم من أنه علاج لبعض الأمراض، يجب استشارة الطبيب أولاً. 

المناقيش جزء من ثقافة بلاد الشام، حيث نشأت في شوارعها وبيوتها، وقد رسخت هذه الوجبة ذكريات الطفولة عند أغلب السوريين واللبنانيين.فتترابط كلمة زعتر مع ذكريات خالد، فيتذكر حبيبته سوريا، وبالأخص ذكرياته مع والدته عندما كانت تحضر له سندويشة “عروس بالزعتر” كل صباح قبل ذهابه إلى المدرسة. وعندما كانت تغلي بعضاً من الزعتر عندما يصاب خالد بمرض.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM