“إسرائيل بالعربي”: قضيّة تاريخيّة لا يحلّها 140 حرفًا

يحيّيك من حسابه الموثّق على “تويتر”، ويشاركك أغنية لفيروز يتلذّذ بها مع فنجان قهوته الصباحيّ، أو موشّح لكوكب الشرق “يسلطنه” مساءً. أو يهنّئك في عيديْ الفطر والأضحى، وقد يشاركك أبيات شعر عربيّ، أو مسابقة عن الثقافة الإسلاميّة، أو يعرّج على حياته الشخصيّة فينشر صوره في القاهرة مع عبارات “مؤثّرة” عن مدى اشتياقه إليها… هذا ليس مستخدمًا عابرًا يسبح في عالمِك الافتراضي، بل هو الناطق باسم الجيش الإسرائيليّ للإعلام العربيّ أفيخاي أدرعي، يغرّد من فلسطين المحتلّة.

أنشئت حسابات “إسرائيل بالعربي” الموثّقة والنشطة ما بين 2010 و2011، وتتابع هذه الصفحات حساباتِ أخبار عربيّة وإعلاميّين وسياسيّين وجهات حكوميّة عربيّة متنوّعة، وهي تحصد عشرات الآلاف من المتابعين، ويتصدّرها حساب أدرعي بـ113 ألف متابع، وتشمل القائمة حساب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسفارة إسرائيل في مصر وصفحة تنشر أخبار عامّة بعنوان “إسرائيل بالعربي”.

يجد العديد من المغرّدين العرب في حساب أفيخاي مدعاةً للسخرية. فبرأي مسؤولة صفحة “صوت وصورة” في جريدة “السفير” اللبنانيّة سناء خوري، إنّ “أدرعي ببّغاء، يردّد ما تمليه عليه وظيفته من تصريحات غبيّة، لا يصدّقها الإسرائيليون أنفسهم، مثل أنّ الجيش الإسرائيليّ لا يهدّم بيوت الفلسطينين، ولا يرتكب جرائم ضدّ حقوق الإنسان، ولا يغتال ناشطين عرب وأجانب”. في المقابل، تفضّل شريحة أخرى “تفادي الاحتكاك”، كما إختار مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركيّة أحمد العمران، الذي يقول أنّ “كلّ مستخدم لديه حرّيّة اختيار مَن يتابع، فإذا لم تعجبك جهة معيّنة بإمكانك الابتعاد عنها، وهو ما أفعله”. وبحسب خبير الإعلام الإجتماعيّ عمّار محمّد،إنّ “هدف أيّ حكومة من منصّات الإعلام الإجتماعيّ هو بثّ صورة إيجابيّة عنها، أمّا الغرض من نطق إسرائيل بالعربي هو خلق إنطباع وهميّ جوهره أنّها غير عنصريّة وتسعى للسلام”.

ومع كثافة الاحتكاك المباشر بالحسابات الإسرائيلية بالجمهور العربيّ، تبرز مسألة التطبيع. لكنّ العمران، يرى أنّ التفاعل مع الإسرائيليّين إلكترونيًّا ليس بالضرورة تطبيعًا. ويتابع: “يمكن أن يعتبر المستخدم العربيّ نفسه مدافعًا عن قضيّته، وتغريداته هي مجرّد تعبير عن رأيه، لكنّ الموضوع قد يكون أكثر حساسيّة في لبنان مثلًا، لوجود قانون يجرّم التعامل مع إسرائيل، وغياب هكذا تشريع في دول الخليج، أمّا وجود معاهدة سلام بين إسرائيل ومصر والأردن على سبيل المثال، لا يعني بالضّرورة أنّ المصريّين أو الأردنيّين يتقبّلون الأمر في الواقع أو في العالم الإفتراضيّ”. أمّا خوري، فتوافق على أنّ مسألة التطبيع شائكة، وترى التفاعل الإلكترونيّ مناظرة إعلاميّة غير مباشرة، إن كان العرب ينقضون سياسة إسرائيل، وتجده تطبيعًا عند المستخدمين الذين يستغلّون تلك الحسابات للتّغنّي بـ”الذكاء الإسرائيليّ”، وترسيخ صورة إيجابيّة كاذبة عن إسرائيل.

من جهة أخرى، لهذا التواصل تبعات على المتلقّي العربي. فيراه العمران فرصة لكسر الصور النمطيّة السائدة المترسّخة بفعل انقطاع التواصل سابقًا، وتكريس الإنفتاح على الآخر للخروج من العزلة بحجّة أنّ الطرف المقابل هو عدوّ. من جهتها، تجده الخوري مصدرًا سهلًا للمعلومات للمهتمّين بالشؤون العربيّة -الإسرائيليّة من باب “إعرف عدوّك”. لكنّها، في الوقت عينه تراه “أرضًا خصبة للبروباغاندا الإسرائيليّة”، وهو ما يسمّيه محمّد “تغذية راجعة للجيش الإسرائيلي”. ويلفت محمّد إلى أنّ الخطر الإسرائيليّ لا يتوقّف فقط على أرشفة معلومات مزيّفة قد تظلّل الأجيال القادمة عند بحثهم على الشبكة عن الصراع العربيّ-الإسرائيليّ. فالوحدة “8200” في الجيش الإسرائيليّ المتخصّصة في التجسّس الإلكترونيّ توثّق كلّ التفاعلات مع الحسابات الإسرائيليّة لدراسة الرأي العام العربيّ.

تتباين الآراء حول هذا الموضوع، لا سيّما أنّ هناك اختلاف حول كون إسرائيل عدوًّا، لكنّ التفاعل مع الحسابات الإسرائيليّة، أمر يتوقّف عند القناعة الفرديّة ضمن الأطر القانونيّة، فـ”قضيّة تاريخيّة لا يحلّها 140 حرفًا”، على حدّ تعبير عمّار محمّد.

Please follow and like us:

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Social media & sharing icons powered by UltimatelySocial
EMAIL
Facebook
INSTAGRAM