أقليّة كليّة محمد بن راشد للإعلام: الذكور

ينعته البعض بالمحظوظ، بينما يسخر منه البعض الآخر. يدخل الصفّ الدراسيّ ليجلس مكتوف الأيدي على أمل أن يأتي أحد من بني “جنسه” ليزيل عبء الوحدة عنه. لكن، دون جدوى. فما إن يحين وقت المحاضرة حتى تمتلئ المقاعد بالإناث وتطغى نبرات الصوت الناعمة لحوالى ساعة من الزمن. هذه يوميّات طالب في كليّة محمّد بن راشد للإعلام في الجامعة الأمريكيّة في دبي.
يفيد مكتب السجلّات في الجامعة، إلى أنّ الذكور يشكلون نسبة 21% فقط من عدد طلبة الإعلام، بينما تشكل الإناث نسبة 79% من مجموع الطلبة في الكليّة ذاتها، علمًا بأن عدد الذكور في الجامعة بكليّاتها كافّة يتجاوز عدد الإناث بنسبة 2% فقط. منذ أن تأسّست كليّة محمّد بن راشد للإعلام عام 2008، لم تشهد إقبالًا كبيرًا من قِبل الشبّان. فلطالما كانت نسبة الذكور في هذه الكلّية قليلة على عكس نسبتهم في الكليّات الأخرى. ففي كليّة الهندسة على سبيل المثال، تبلغ نسبة الذكور 81%، وتصل النسبة إلى 63% في كليّة إدارة الأعمال.
قد تثير هذه الإحصائيات بعض التساؤلات حول سبب قلّة عدد الشبّان في كلية الإعلام بالمقارنة مع الكليّات الأخرى، وحول ما إذا كانت هذا الأرقام مقتصرة على الجامعة الأمريكية في دبي، أم أنّها تنطبق على كليّات أخرى لتصبح ظاهرة. تقول أستاذة الصحافة في الجامعة الأمريكية في دبي، ياسمين بحراني:” أعتقد أن هذه الظاهرة موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا. فبحسب ما قرأت، يبدو أن عدد الطالبات في مدارس الصحافة والإعلام يفوق عدد الطلاب.” وتضيف: ” يمكن أن يكون دخل الصحفي قليلاً بالنسبة للشبان خاصة عندما يأتي الأمر إلى تأمين حياتهم الزوجية في المستقبل، مما يشكّل عائقا لديهم”.
وبحسب ما نشره موقع “ذا أتلانتك” عن دراسة أجرتها جامعة إينديانا في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ متوسّط دخل الصحفيّ الذّكر وصل إلى 53 ألف دولار أمريكيّ في عام 2012. كما أظهرت الدراسة أن هذا المبلغ يتناسب مع معدل دخل الأسرة الأمريكية إلّا أنه -كحال الوظائف الأخرى- لا يلبّي الحاجة بسبب التضخّم الإقتصاديّ الحاصل.
وفي الوقت نفسه، أظهرت دراسات عديدة أن عدد الذكور العاملين في مجال الصحافة يفوق عدد الإناث. فبحسب الدراسة التي نشرها موقع “ذا واشنطن بوست” الإلكترونيّ نقلاً عن “المجتمع الأمريكي للمحررين الصحفييّن” فإنّ الذكور يشكلون ثلثيْ غرف الأخبار في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي 2013، بلغ عدد المسؤولين – في غرف الأخبار- نسبة 65.4% مقارنة بـ 34.6% من المسؤولات. ووصلت نسبة المراسلين الذكور إلى 62.2% بينما بلغت نسبة المراسلات 37.4% فقط. أما بالنسبة للمحررين والمخرجين، تبقى نسبة الذكور أعلى حيث تصل إلى 60.1%.
وفي نفس السياق، يقول طالب الإنتاج الرقمي في كليّة محمد بن راشد للإعلام، علي أسمر: “أعتقد أن العدد المتدني للشبان في الكليّة لا ينطبق على كافّة الجامعات في الإمارات أو في الوطن العربي. فأنا أعرف العديد من الشبان الذين يدرسون التصوير السينمائي حيث يفوق عددهم عدد الشابات في الصّف”. ويضيف أسمر:” معظم عمل الشبّان يكون وراء الكواليس ويتطلب قدرات تقنيّة لا تتناسب كثيراً مع ذوق الفتيات”.
لكنّ بعض طلبة الجامعة الأمريكية في دبي يعتقدون أن الأمر يرجع إلى الفروع المتوافرة في المجال العمليّ. يقول طالب في كليّة إدارة الأعمال، فؤاد معلوف:” عندما يأتي الأمر إلى المحطّة التلفزيونية، أعتقد أن معظم الجمهور سيفضّل مشاهدة شابة جميلة تقرأ الأخبار”.
عادات وتقاليد المجتمع العربي يمكن أن تؤثر في نسبة الذكور في كلية الإعلام بالجامعة. فغالبًا ما ينصح الأهالي أبناءهم بدراسة الطبّ أو الهندسة أو إدارة الأعمال لضمان وظيفة مستقبلاً، ولأنّ تلك الاختصاصات تمتلك طابعًا “رجوليًّا” على حدّ تعبيرهم. يقول طالب الهندسة المدنيّة في الجامعة الأميركيّة، حسين حجّو:” يجب عليك، كشاب، أن تدرس تخصّصًا خارقًا بنظر مجتمعنا – كالهندسة أو التجارة – لكي ترضي الناس. سيهزأون منك إن اخترت دراسة الإعلام.” وتوافقه الرأي الطالبة في مجال التواصل الإجتماعي في الجامعة الأمريكية في الشارقة، أمان المعرّاوي مؤكّدة: “معروف لدينا في الجامعة أن كليّة التواصل الإجتماعي هي الكليّة التي تكتظّ بالبنات. وهذه الحقيقة التي لمستها منذ أول يوم لي بالجامعة حيث أنني وجدت طالبًا واحدًا فقط في أوّل محاضرة لي”. وتُضيف: “أعتقد أنّ السبب يعود لمجتمعنا الشرقيّ الذي يحارب حتى الفتيات أحيانًا حين يخترن مجال الإعلام، لأنه مجال سيّء و’ما بأكّل عيش‘ في نظرهم”.
على الرغم من “هيمنة” الشبّان على مجال الإعلام في معظم أقطار العالم، بحسب الدراسات، إلّا أنّ سبب تراجع عددهم في الجامعة الأمريكية في دبي ليس واضحاً بعد. البعض يلوم مستويات الدخل، والبعض يعتقد أنّ للإختصاص طابعًا “أنثويًّا” لا يتناسب مع طبيعة المجتمع العربي.
Please follow and like us: